بريق الترجمة قديمًا وحديثًا

مكتب ترجمة معتمد من السفارة الأمريكية
27 أكتوبر، 2021
كيف تختار أفضل مكتب ترجمة معتمد؟
23 نوفمبر، 2021
Show all

بريق الترجمة قديمًا وحديثًا

الحقيقة التي لا خلاف عليها أن الترجمة وخاصة الترجمة المعتمدة ومكاتب الترجمة منها لها أثر كبير في عملية نقل الثقافات بين الأمم المختلفة، وذلك ليس وليدَ عصرِ العولمة التي برزت فيه وسائل التكنولوجيا التي ساعدت على التقارب بين الثقافات المختلفة؛ حيث إن للترجمة المعتمدة أصولًا قديمة تبلورت حتى وصلت إلى الشكل التي هي عليه الآن، فلربما كانت الترجمة ومكاتب الترجمة في الماضي هي الوسيلة الوحيدة القادرة على خرق الحدود بين الدول المختلفة، وعلى وجه أخص الدول المتحدثة باللغة العربية التي استطاعت أن تنفتح على الدول الأخرى، ولم ينحصر الأمر في مجرد الاطلاع على ثقافة الدول الغربية فقط، بل تجاوز ذلك إلى أن انتقلت اللغة الأجنبية إلى تلك الدول العربية وأحدثت تأثرًا بها.

وثارت العديد من التساؤلات حول: لماذا تعتبر اللغة العربية أكثر اللغات تأثرًا بالترجمة؟ أو لماذا احتاج اللسان العربي إلى الدخول في عالم الترجمة؟ وذلك على اعتبار أن اللغة العربية بكل ما تحمله من شرف تكريمها بأنها لغة القرآن الكريم، والتي طالما اعتز بها العرب قديمًا، ولم يُخيَّل إليهم تركها أو استبدال أي لغة أخرى بها، أو حتى إدخال اللغات الأخرى عن طريق الترجمة إلى بلادهم، ولكن الإجابة لهذه التساؤلات جاءت واضحة وظاهرة لا تحتاج لتفسير، بل تحتاج لإظهار، لقد تخلى العرب عن النظام السياسي “القبيلة” الذي كانوا يسيِّرون أمورهم وفقًا له، واتجهوا إلى نظام آخر؛ ألا وهو “نظام الدولة كاملة الأركان”، وإن هذا الانتقال تطلب منهم الحاجة إلى الترجمة لمعرفة اللغات الأخرى، والدخول في عصر الاتحادات السياسية، ومن ثَمَّ تأثر لسان العرب باللغات الأخرى، وكانت هذه هي الإشارة للحاجة ولوجود الترجمة ومكاتب الترجمة وتأثيراتها.

وإن كانت الحاجة إلى الترجمة وخاصةً الترجمة المعتمدة بالنسبة للعرب ظهرت في هذا الأوان، فإن الحاجة إلى الترجمة بالنسبة للعالم سبقت ذلك بعصور كثيرة خَلَتْ، فقد تحدث عن فضل وأهمية الترجمة في مصر الكثير من الفلاسفة والقدِّيسين في العالم الغربي، وأيضًا أضاف العديد من المترجمين التوضيحاتِ الخاصة بأهمية ظهور الترجمة في العصور القديمة والمعاصرة، وهاكم بعض الأقاويل ووجهات النظر والمناسبات التي ذُكِرت في أهمية الترجمة:

  • الفيلسوف الألماني “مارتن هايدغر”: كانت له حكمة شهيرة عن الترجمة تقول: (قل لي ما موقفك من الترجمة، أقول لك من تكون)، هذه الحكمة التي اعتبرها الكثر مقياسًا لمدى إيمان الأشخاص بالدور التي تقوم به الترجمة المعتمدة في مختلف العصور جاءت لتوضح أن الترجمة ما هي إلا مصباح ينير الكلمة في وجه الأشخاص، ويزيل عنهم عَتَمَةَ الجهل عن طريق المعرفة، وذلك عن طريق تعامل الترجمة مع المصطلحات، وكشف الغموض عنها بلسان اللغة الأصلية للباحث، ومن ثَمَّ أصبح للترجمة المعتمدة مكانة خاصة بين الشعوب والتجمعات الثقافية.
  • وقد تحدث المفكر والمترجم “محمد شوقي” عن الترجمة مطولًا موضحًا أن علم الترجمة من العلوم التي لا يمكن أن تستغني عنها أمة أو شعب، مهما وصل درجة التقدم والرقي بهم، فلا بد من الحاجة إلى نقل الثقافات والعلوم من الأمم الأخرى؛ مثل: الأدب والشعر والفلسفة والمنطق والتاريخ والعلوم المختلفة، وهذا النقل يحتاج إلى علم الترجمة حتى يمكن تحقيق الاستفادة منه، وقد تحدث أيضًا الأستاذ محمد شوقي في أصل علم الترجمة، وهو تحقيق المعرفة، موضحًا أن الهدف الأساسي من علم الترجمة هو التعرف على الآخر، والتعرف على الآخر لا يأتي إلا من خلال التعرف على الذات، وبذلك يكون هناك إضافة إلى الدور التي تلعبه الترجمة؛ وهو الإشارة إلى الذات من طيَّات التعرف على الآخر.

وعلى إثر هذه المعرفة أوضح شوقي أن التعارف سمة من سمات البشر، وأن الله عز وجل دعا إلى التعارف في كتابه العزيز، وأن الترجمة ومكاتب الترجمة المعتمدة تلعب دورًا هامًّا في فتح أبواب المعرفة أمام الشعوب المختلفة.

وفيما يخص فوائد الترجمة، فقد ذكر شوقي أنها تقدم علمًا باللغة الأم وذلك من خلال البحث في مصطلحاتها القديمة والبحث عن مختلف الألفاظ؛ لمعرفة المصطلح الصحيح الذي يُترجم به.

وقد تحدث أيضًا الأستاذ شوقي حول مستقبل الترجمة قائلًا: لا بد لنا من المحافظة على هذا العلم والسعي نحو نهضته، وأشار إلى دولة الجزائر باعتبار أن علم الترجمة في هذه الدولة ضعيف، لا يُعتمد عليه، وأنه لا بد من بذل الكثير من المجهودات للخروج من طور الضعف، وذلك من خلال تقديم المكافأة والحوافز للمترجمين، والعمل على تسيير اجتياحاتهم للمهارة في علم الترجمة، بالإضافة إلى ضرورة نشر الوعي بأن الترجمة لا تعتمد فقط على معرفتنا باللغات الأخرى، ونقل الخبرات الثقافية من الآخرين إلينا، ولكنها تشمل أيضًا نقل علومنا وخبراتنا وثقافتنا إلى الآخرين، ومن ثَمَّ يحدث التبادل الثقافي المأمول.

  • وقد أقام اليوم العالمي للترجمة احتفالًا بهذا العلم، وكان مصادفًا لنشأة الاتحاد الأممي للمترجمين، وذلك عام 1953م، وأُقيم أول احتفال رسمي بهذا اليوم في 30 سبتمبر عام 1991م، وإيمانًا بالدور الحيوي الذي تلعبه الترجمة في الربط بين الثقافات، وقَّعت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بأن يوم 30 سبتمبر من كل عام يعتبر عيدًا رسميًّا للاحتفال بالترجمة، وقد صدَّق على هذا القرار الكثير من الدول؛ مثل: كوستاريكا، وتركيا، وفيتنام، وقطر، وباراغوري، وغيرها من البلاد، وقد وصل عدد الدول المصدِّقة على هذا القرار أحد عشر بلدًا.
  • وقد صادف يوم 30 سبتمبر المعروف بالعيد العالمي للترجمة ميلاد “القديس جيروم”؛ هذا القديس الذي كُلِّف من قِبل البابا بترجمة الإنجيل من اللغة اليونانية والعبرية إلى اللغة اللاتينية لغة الإمبراطور، وكان من قبلُ قام بترجمة الكتاب المقدس، وبهذه الترجمة التي قام بها القديس جيروم أصبحت اللغة اللاتينية هي اللغة المقدسة، إلى أن حدثت تطورات سياسية أدت إلى سقوط القسطنطينية وسقطت معها أوهام الكنيسة، إلى أن تمَّ ترجمة الإنجيل بجميع اللغات التي عرفتها أوربا، ومن ثَمَّ تظهر أهمية الترجمة ومدى قدرتها على تحقيق التقارب والتباعد بين الشعوب والثقافات.            

وفي النهاية، لا يَسَعُنا إلا أن نؤكد على أهمية علم الترجمة ومكاتب الترجمة، والدور الذي قدمته الترجمة للبشرية؛ سواء في القديم أو في الحديث، وأن هذا العلم كان الأكمل في القديم، وما يزال الأمل في المستقبل؛ لذا يجب الاهتمام به والعمل على تطوره ونهضته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.